التعمق في معيار IFRS 9: الأدوات المالية

يمثل معيار التقرير المالي الدولي رقم 9 ( معيار IFRS 9) “الأدوات المالية” ثورة في عالم المحاسبة المالية، حيث يقدم إطارا شاملا لتصنيف وقياس والاعتراف والافصاح عن الأدوات المالية. ويعد هذا المعيارأحد أهم المعايير الدولية للتقرير المالي وأكثرها تعقيدا، نظرا لتأثيره الواسع على مختلف القطاعات، وخاصة القطاع المصرفي وشركات التأمين. في هذا المقال، سنتعمق في معيار IFRS 9، ونناقش أهدافه ونطاقه ومتطلباته الرئيسية، مع التركيز على نماذج تصنيف وقياس الأدوات المالية، ونموذج خسائر الائتمان المتوقعة، ومتطلبات محاسبة التحوط، بالإضافة إلى تسليط الضوء على أهمية هذا المعيار وتأثيره على القوائم المالية.
ما هو معيار IFRS 9: الأدوات المالية؟
معيار IFRS 9 هو معيار محاسبي دولي يحدد كيفية محاسبة المنشآت عن الأدوات المالية، بما في ذلك كيفية تصنيفها وقياسها، وكيفية الاعتراف بالخسائر الائتمانية المتوقعة، وكيفية تطبيق محاسبة التحوط. وقد حل معيار IFRS 9 محل معيار المحاسبة الدولي رقم 39 (IAS 39) “الأدوات المالية: الاعتراف والقياس”.
أهداف المعيار الدولي للتقرير المالي رقم 9 ( معيار IFRS 9):
- تحسين جودة المعلومات المالية: يهدف معيار IFRS 9 إلى تحسين جودة وملاءمة المعلومات المالية المتعلقة بالأدوات المالية.
- تعزيز الشفافية والموثوقية: يساعد معيار IFRS 9 في تعزيز شفافية وموثوقية القوائم المالية من خلال توفير إطار محاسبي أكثر اتساقا للأدوات المالية.
- توفير معلومات أكثر فائدة لاتخاذ القرار: يقدم معيار IFRS 9 معلومات تمكن المستثمرين والدائنين وأصحاب المصلحة الآخرين من تقييم المخاطر والعوائد المتعلقة بالأدوات المالية بشكل أفضل.
- الاستجابة بشكل أفضل للأزمات المالية: يعالج معيار IFRS 9 بعض أوجه القصور في معيار المحاسبة الدولي رقم 39 (IAS 39) التي ظهرت خلال الأزمة المالية العالمية، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف المتأخر بخسائر الائتمان.
- تبسيط محاسبة الأدوات المالية: يهدف معيار IFRS 9 إلى تبسيط بعض جوانب محاسبة الأدوات المالية مقارنة بمعيار المحاسبة الدولي رقم 39 (IAS 39).
نطاق المعيار الدولي للتقرير المالي رقم 9 ( معيار IFRS 9):
يطبق معيار IFRS 9 على جميع الأدوات المالية، باستثناء:
- الحصص في الشركات التابعة والزميلة والمشروعات المشتركة التي تتم المحاسبة عنها وفقا لمعيار المحاسبة الدولي رقم 28 (IAS 28) “الاستثمارات في الشركات الزميلة والمشروعات المشتركة” أو معيار التقرير المالي الدولي رقم 11 (IFRS 11) “الترتيبات المشتركة”.
- عقود التأمين كما هي محددة في معيار التقرير المالي الدولي رقم 4 (IFRS 4) “عقود التأمين” (تم استبداله بمعيار IFRS 17).
- الأدوات المالية التي تندرج ضمن نطاق معيار التقرير المالي الدولي رقم 2 (IFRS 2) “المدفوعات المبنية على أسهم”.
- الحقوق والالتزامات ضمن خطط منافع الموظفين (يطبق عليها معيار المحاسبة الدولي رقم 19 (IAS 19) “منافع الموظفين”).
- عقود الضمان المالي (إلا إذا اختار المصدر تطبيق معيار IFRS 9).
- عقود الإيجار (يطبق عليها معيار التقرير المالي الدولي رقم 16 (IFRS 16) “عقود الإيجار”).
المحاور الرئيسية للمعيار الدولي للتقرير المالي رقم 9 ( معيار IFRS 9):
يتناول هذا المعيار ثلاثة محاور رئيسية:
تصنيف وقياس الأدوات المالية (Classification and Measurement):
يقدم معيار IFRS 9 نموذجا جديدا لتصنيف وقياس الأدوات المالية، يعتمد على خصائص التدفقات النقدية التعاقدية للأصل المالي ونموذج أعمال المنشأة لإدارة الأصول المالية.
تصنيف الأصول المالية:
يتم تصنيف الأصول المالية إلى ثلاث فئات رئيسية:
- التكلفة المستهلكة (Amortised Cost): يتم قياس الأصول المالية بهذه الطريقة إذا كانت تستوفي الشرطين التاليين:
- نموذج الأعمال: يحتفظ الكيان بالأصل المالي ضمن نموذج أعمال يهدف إلى تحصيل التدفقات النقدية التعاقدية.
- اختبار خصائص التدفقات النقدية التعاقدية (SPPI): تمثل التدفقات النقدية التعاقدية للأصل المالي منفردا مدفوعات أصل الدين والفائدة على أصل الدين القائم.
- القيمة العادلة من خلال الدخل الشامل الآخر (Fair Value through Other Comprehensive Income – FVOCI): يتم قياس الأصول المالية بهذه الطريقة إذا كانت تستوفي الشرطين التاليين:
- نموذج الأعمال: يحتفظ الكيان بالأصل المالي ضمن نموذج أعمال يهدف إلى تحقيق كل من تحصيل التدفقات النقدية التعاقدية وبيع الأصول المالية.
- اختبار خصائص التدفقات النقدية التعاقدية (SPPI): تمثل التدفقات النقدية التعاقدية للأصل المالي منفردا مدفوعات أصل الدين والفائدة على أصل الدين القائم.
- أو إذا كان الأصل المالي من أدوات حقوق الملكية (مثل الأسهم) فيمكن للشركة أن تختار قياس الأصل المالي بالقيمة العادلة من خلال الدخل الشامل الأخر
- القيمة العادلة من خلال الربح أو الخسارة (Fair Value through Profit or Loss – FVTPL): يتم قياس جميع الأصول المالية الأخرى التي لا تستوفي شروط التصنيف ضمن الفئتين السابقتين بالقيمة العادلة من خلال الربح أو الخسارة. ويشمل ذلك الأدوات المالية المحتفظ بها للمتاجرة، وبعض الأدوات المالية المعقدة.
تصنيف الالتزامات المالية:
- التكلفة المستهلكة: يتم قياس معظم الالتزامات المالية بالتكلفة المستهلكة.
- القيمة العادلة من خلال الربح أو الخسارة: يتم قياس بعض الالتزامات المالية، مثل تلك المحتفظ بها للمتاجرة، بالقيمة العادلة من خلال الربح أو الخسارة.
ملاحظات:
- يعد نموذج معيار IFRS 9 لتصنيف وقياس الأدوات المالية أكثر بساطة ووضوحا من النموذج المستخدم في معيار المحاسبة الدولي رقم 39 (IAS 39).
- يركز معيار IFRS 9 على كيفية إدارة المنشأة لأصولها المالية، مما يجعل التصنيف أكثر اتساقا مع استراتيجية المنشأة.
نموذج خسائر الائتمان المتوقعة (Expected Credit Losses – ECL):
يقدم هذا المعيار نموذجا جديدا للاعتراف بخسائر الائتمان، يعتمد على الخسائر المتوقعة بدلا من الخسائر المتكبدة. ويتطلب هذا النموذج من المنشآت تقييم مخاطر الائتمان للأدوات المالية والاعتراف بمخصص للخسائر الائتمانية المتوقعة على مدى عمر الأداة المالية.
مراحل نموذج خسائر الائتمان المتوقعة:
- المرحلة الأولى: يتم الاعتراف بخسائر الائتمان المتوقعة على مدى الـ 12 شهرا القادمة للأدوات المالية ذات المخاطر الائتمانية المنخفضة.
- المرحلة الثانية: يتم الاعتراف بخسائر الائتمان المتوقعة على مدى العمر للأدوات المالية التي شهدت زيادة كبيرة في مخاطر الائتمان منذ الاعتراف الأولي.
- المرحلة الثالثة: يتم الاعتراف بخسائر الائتمان المتوقعة على مدى العمر للأدوات المالية التي تعتبر متعثرة ائتمانيا.
أهمية نموذج خسائر الائتمان المتوقعة:
- الاعتراف المبكر بخسائر الائتمان: يؤدي نموذج معيار IFRS 9 إلى الاعتراف بخسائر الائتمان بشكل أسرع وأكثر استباقية مقارنة بنموذج الخسائر المتكبدة في معيار المحاسبة الدولي رقم 39 (IAS 39).
- تحسين جودة المعلومات المالية: يوفر نموذج معيار IFRS 9 معلومات أكثر دقة حول مخاطر الائتمان التي تتعرض لها المنشأة.
- تعزيز الاستقرار المالي: يساهم الاعتراف المبكر بخسائر الائتمان في تعزيز الاستقرار المالي للمنشآت، خاصة البنوك والمؤسسات المالية.
محاسبة التحوط (Hedge Accounting):
يقدم هذا المعيار إطارا أكثر مرونة لمحاسبة التحوط، ويهدف إلى مواءمة محاسبة التحوط بشكل أفضل مع أنشطة إدارة المخاطر في المنشأة. ويسمح معيار IFRS 9 للشركات باستخدام محاسبة التحوط إذا كانت أداة التحوط وعلاقة التحوط تستوفي شروطا معينة.
أنواع علاقات التحوط:
- تحوط القيمة العادلة (Fair Value Hedge): التحوط ضد مخاطر التغيرات في القيمة العادلة لأصل أو التزام أو تدفق نقدي.
- تحوط التدفقات النقدية (Cash Flow Hedge): التحوط ضد مخاطر التغيرات في التدفقات النقدية.
- تحوط صافي الاستثمار في عملية أجنبية (Net Investment Hedge): التحوط ضد مخاطر التغيرات في أسعار صرف العملات الأجنبية على صافي الاستثمار في عملية أجنبية.
تأثير معيار IFRS 9 على القوائم المالية:
- قائمة المركز المالي: قد يؤدي تطبيق معيار IFRS 9 إلى تغييرات في تصنيف وقياس الأدوات المالية، مما يؤثر على قيمة الأصول والالتزامات في قائمة المركز المالي.
- قائمة الدخل: قد يؤدي تطبيق معيار IFRS 9 إلى تغييرات في توقيت الاعتراف بخسائر الائتمان، مما يؤثر على صافي الربح.
- قائمة الدخل الشامل الآخر: قد تؤدي التغيرات في القيمة العادلة لبعض الأدوات المالية إلى أرباح أو خسائر غير محققة يتم الاعتراف بها في قائمة الدخل الشامل الآخر.
- الإفصاحات: يفرض معيار IFRS 9 متطلبات إفصاح شاملة حول الأدوات المالية والمخاطر المتعلقة بها، مما يزيد من حجم ونطاق الإفصاحات في القوائم المالية.
أهمية معيار IFRS 9 للشركات:
يعد معيار IFRS 9 معيارا هاما لجميع الشركات التي تتعامل مع الأدوات المالية، حيث يساعدها على:
- الامتثال للمعايير الدولية للتقرير المالي: يضمن أن الشركات تعالج الأدوات المالية بشكل متسق مع المعايير الدولية للتقرير المالي.
- تحسين جودة التقارير المالية: يؤدي تطبيق إلى تحسين جودة وشفافية المعلومات المالية المتعلقة بالأدوات المالية.
- تعزيز ثقة المستثمرين: يساعد في بناء ثقة المستثمرين من خلال توفير معلومات أكثر دقة وموثوقية حول مخاطر الائتمان والعوائد المتعلقة بالأدوات المالية.
- إدارة المخاطر بشكل أفضل: يوفر إطارا محاسبيا أكثر ملاءمة لإدارة المخاطر، مما يساعد الشركات على تقييم وإدارة مخاطر الائتمان ومخاطر السوق بشكل أفضل.
التحديات في تطبيق معيار IFRS 9:
- تعقيد المعيار: يعد معيارا معقدا نسبيا، وقد يتطلب فهمه وتطبيقه خبرة محاسبية متخصصة.
- الحاجة إلى بيانات تاريخية: يتطلب تطبيق نموذج خسائر الائتمان المتوقعة توافر بيانات تاريخية كافية عن مخاطر الائتمان.
- الحكم الشخصي: قد يتطلب تطبيق بعض متطلبات معيار IFRS 9 استخدام الحكم الشخصي، مما قد يؤدي إلى اختلافات في التطبيق بين الشركات.
- التكلفة: قد يكون تطبيق معيار IFRS 9 مكلفا، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتطلب تحديث الأنظمة المحاسبية وتدريب الموظفين.
دور التكنولوجيا في تطبيق معيار IFRS 9:
تساعد برامج المحاسبة وأنظمة تخطيط موارد المؤسسات (ERP) في تطبيق معيار IFRS 9 بشكل أكثر كفاءة ودقة من خلال:
- أتمتة عملية تصنيف وقياس الأدوات المالية.
- حساب خسائر الائتمان المتوقعة بشكل آلي.
- إدارة علاقات التحوط وإجراء اختبارات الفعالية.
- إصدار التقارير اللازمة للامتثال لمتطلبات الإفصاح.
مستقبل محاسبة الأدوات المالية:
يستمر مجلس معايير المحاسبة الدولية (IASB) في مراجعة وتحديث المعايير الدولية للتقرير المالي، بما في ذلك معيار IFRS 9. ومن المتوقع أن تؤدي التطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة، إلى تغييرات جوهرية في كيفية محاسبة الشركات عن الأدوات المالية في المستقبل.
خاتمة:
يقدم معيار معيار IFRS 9 إطارا محاسبيا شاملا للأدوات المالية، ويعد خطوة هامة نحو تحسين جودة وشفافية التقارير المالية. ويجب على الشركات التي تندرج ضمن نطاق تطبيق معيار IFRS 9 الالتزام بمتطلباته لضمان الاعتراف والقياس والإفصاح عن هذه الأدوات بشكل صحيح. إن فهم معيار IFRS 9 يعد أمرا ضروريا للمحاسبين والمدققين والمستثمرين وأي شخص يسعى لفهم القوائم المالية للشركات التي تتعامل مع الأدوات المالية. ومع استمرار تطور الأسواق المالية وظهور أدوات مالية جديدة، من المتوقع أن يستمر تحديث المعايير الدولية للتقرير المالي، بما في ذلك معيار IFRS 9، لضمان مواكبة هذه التطورات وتوفير معلومات مالية ملائمة وموثوقة لمستخدمي القوائم المالية.